فصل: (اشْتَرَى سِلَعًا كَثِيرَةً وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(في الَّذِي يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالْعَبْدِ أَوْ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يُسْتَحَقُّ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ):

في الَّذِي يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالْعَبْدِ أَوْ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يُسْتَحَقُّ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ أَوْ بِحَدِيدٍ أَوْ بِرَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا بِعَبْدٍ أَوْ بِثَوْبٍ، فَزَرَعْتُ الْأَرْضَ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ، مَا يَكُونُ عَلَيَّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَيْكَ قِيمَةُ كِرَاءِ الْأَرْضِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُهَا بِحَدِيدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِرَصَاصٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِنُحَاسٍ بِعَيْنِهِ، فَاسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْحَدِيدُ أَوْ النُّحَاسُ أَوْ الرَّصَاصُ، وَقَدْ عَرَفْنَا وَزْنَهُ، أَيَكُونُ عَلَيَّ مِثْلُ وَزْنِهِ، أَوْ يَكُونُ عَلَيَّ مِثْلُ كِرَاءِ الْأَرْضِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَوْ يَحْرُثَهَا، أَوْ يَكُونَ لَهُ فيهَا عَمَلٌ، أَوْ زَرْعٌ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ فيهَا عَمَلًا أَوْ زَرْعًا، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ كِرَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ.
قَالَ: وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ مِنْ الرَّجُلِ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ، فيفَارِقُهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ، فيتَعَدَّى الْبَائِعُ عَلَى الطَّعَامِ فيبِيعَهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: لِلْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَمَّا إذَا بِعْتَ طَعَامِي فَارْدُدْ لِي دَنَانِيرِي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَعَامُهُ وَإِنْ شَاءَ دَنَانِيرُهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَكِنْ لَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، مِنْ نَارٍ أَهْلَكَتْ الطَّعَامَ، أَوْ سَارِقٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْوُجُوهَ، فَهَذَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فيهِ بَيْنَهُمَا، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ دَنَانِيرَهُ.
وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا آتِيكَ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ.

.أَكْرِي دَارِهِ سَنَةً سَكَنَهَا الْمُكْتَرِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَيْتُ دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ أَقْبِضْ الْكِرَاءَ حَتَّى سَكَنَ الْمُتَكَارِي نِصْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ الدَّارَ، لِمَنْ يَكُونُ كِرَاءُ الشُّهُورِ الْمَاضِيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِلْمُكْرِي الَّذِي اسْتَحَقَّ الدَّارَ مِنْ يَدَيْهِ، وَلِلَّذِي اسْتَحَقَّ الدَّارَ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ، فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي اسْتَحَقَّ الدَّارَ أَنْ يُمْضِيَ الْكِرَاءَ أَمْضَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَنْقُضَ الْكِرَاءَ، وَإِنْ رَضِيَ أَمْضَى ذَلِكَ الْكِرَاءَ مُسْتَحَقُّ الدَّارِ.
قُلْت وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَنْقُضَ الْكِرَاءَ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّمَا كَانَتْ عُهْدَتِي عَلَى الْأَوَّلِ، فَلَا أَرْضَى أَنْ تَكُونَ عُهْدَتِي عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسْتَحِقُّ.
قَالَ: يُقَالُ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ.
وَلَا ضَرَرَ عَلَيْكَ في عُهْدَتِكَ، اُسْكُنْ، فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ، وَجَاءَ أَمْرٌ لَا تَسْتَطِيعُ السُّكْنَى مَعَهُ، مِنْ هَدْمِ الدَّارِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَأَدِّ مِنْ الْكِرَاءِ قَدْرَ مَا سَكَنْتَ وَاخْرُجْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَارِي قَدْ نَقَدَ الْكِرَاءَ كُلَّهُ، فَاسْتَحَقَّهَا هَذَا الرَّجُلُ بَعْدَ مَا سَكَنَهَا هَذَا الْمُتَكَارِي نِصْفَ سَنَةٍ؟
قَالَ: يَرُدُّ نِصْفَ النَّقْدِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ خَوْفٍ، لِكَوْنِ الرَّجُلِ كَثِيرَ الدَّيْنِ وَنَحْوَ هَذَا، دَفَعَ إلَيْهِ بَقِيَّةَ الْكِرَاءِ، وَلَمْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى مُكْتَرِي الدَّارِ، وَلَزِمَهُ الْكِرَاءُ.
وَهَذَا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ مُسْتَحِقُّ الدَّارِ، وَهَذَا رَأْيِي.

.(أَكْرِي دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ فَهَدَمَهَا الْمُتَكَارِي أَوْ الْمُكْرِي تَعَدِّيًا):

أَكْرِي دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ فَهَدَمَهَا الْمُتَكَارِي أَوْ الْمُكْرِي تَعَدِّيًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَكْرَيْتُ دَارِي مِنْ رَجُلٍ سَنَةً، فَهَدَمَهَا الْمُتَكَارِي تَعَدِّيًا وَأَخَذَ نَقْضَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ؟
قَالَ: تَكُونُ الدَّارُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَيَكُونُ قِيمَةُ مَا هَدَمَ الْمُتَكَارِي لِلْمُسْتَحِقِّ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُكْرِي قَدْ تَرَكَ قِيمَةَ الْهَدْمِ لِلْمُتَكَارِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا هَذَا الْمُسْتَحِقُّ؟
قَالَ: يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ الْهَدْمِ عَلَى الْمُتَكَارِي الَّذِي هَدَمَهَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا، أَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي تَرَكَ لَهُ؟
قَالَ: لَا، إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَسُرِقَ مِنْهُ فَتَرَكَ قِيمَتَهُ لِلسَّارِقِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ، فَلَا يَكُونُ لِمُسْتَحِقِّهِ عَلَى الَّذِي وَهَبَهُ شَيْءٌ، إنَّمَا يَتْبَعُ الَّذِي سَرَقَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ.
وَإِنَّمَا عَمِلَ هَذَا الْمُشْتَرِي مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُكْتَرِي بَاعَ نَقْضَ الدَّارِ بَعْدَ هَدْمِهِ إيَّاهَا، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ النَّقْضِ مِنْ الْمُكْتَرِي الَّذِي هَدَمَ الدَّارَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ النَّقْضَ هُوَ في ذَلِكَ بِالْخِيَارِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُكْرِي هُوَ الَّذِي هَدَمَ الدَّارَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا هَذَا الْمُسْتَحِقُّ؟
قَالَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي بَاعَ نَقْضَهَا.
فَإِنْ كَانَ بَاعَ نَقْضَهَا أَخَذَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا بَاعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هَدَمَ مِنْهَا شَيْئًا قَائِمًا عِنْدَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ.
قُلْت: وَاَلَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْمُكْرِي الَّذِي تَرَكَ الْهَدْمَ لِلْمُتَكَارِي، أَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هُوَ رَأْيِي.

.في الرَّجُلِ يُكْرِي الدَّارَ فيسْتَحِقُّ الرَّجُلُ بَعْضَهَا أَوْ بَيْتًا مِنْهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَارًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أَوْ بَيْتٌ مِنْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ ابْتَاعَ دَارًا فَاسْتُحِقَّ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ بَعْضُهَا.
قَالَ: إنْ كَانَ الْبَيْتُ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهَا هُوَ أَيْسَرُ الدَّارِ شَأْنًا، فَأَرَى أَنْ يَلْتَزِمَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ مِنْ الثَّمَنِ مَبْلَغَ قِيمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ مِنْ الثَّمَنِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَرُبَّ دَارٍ لَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ، وَتَكُونُ دَارًا فيهَا مِنْ الْبُيُوتِ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ وَمَسَاكِنُ رِجَالٍ فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ.
وَالنَّخْلُ كَذَلِكَ، يُسْتَحَقُّ مِنْهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ النَّخَلَاتِ، فَلَا يُفْسَخُ ذَلِكَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ النَّخْلُ لَهَا عَدَدٌ وَقَدْرٌ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهَا نِصْفُهَا أَوْ جُلُّهَا أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا، مَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى الْمُشْتَرِي.
فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهَا كُلَّهَا رَدَّهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، إنْ كَانَ النِّصْفُ اُسْتُحِقَّ رُدَّ إلَيْهِ النِّصْفُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ اُسْتُحِقَّ الثُّلُثُ فَذَلِكَ لَهُ.
فَأَرَى الدَّارَ، إذَا تَكَارَاهَا رَجُلٌ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُشْبِهُ الْكِرَاءُ الْبُيُوعَ في مِثْلِ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ أَوْ الْجُلُّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مَجْهُولٌ.

.في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ أَوْ يَرِثُهَا فيسْتَغِلُّهَا زَمَانًا ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا أَوْ وَرِثَهَا فَاسْتَغَلَّهَا زَمَانًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ؟
قَالَ: الْغَلَّةُ لِلَّذِي كَانَتْ الدَّارُ في يَدَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْكِرَاءَ بِالضَّمَانِ وَإِنَّمَا هَذَا وَرِثَ دَارًا أَوْ غِلْمَانًا، لَا يَدْرِي بِمَا كَانُوا لِأَبِيهِ، وَلَعَلَّهُ ابْتَاعَهُمْ فَكَانَ كِرَاؤُهُمْ لَهُ بِالضَّمَانِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ وَالْغِلْمَانُ، إنَّمَا وُهِبُوا لِأَبِيهِ لَمْ يَتْبَعْهُمْ أَبُوهُ، فَوَرِثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ ذَلِكَ رَجُلٌ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ غَلَّةُ الْغِلْمَانِ وَالْكِرَاءُ فيمَا مَضَى مِنْ يَوْمِ وُهِبُوا لِأَبِيهِ إلَى يَوْمِ اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ؟
قَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْوَاهِبَ لِأَبِيهِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الْغَلَّةَ وَهَؤُلَاءِ الْغِلْمَانَ، أَوْ غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ رَجُلٍ هَذَا الْمُسْتَحِقُّ وَارِثُهُ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ لِلْمُسْتَحِقِّ.
قُلْت: وَلِمَ قُلْت في الْوَاهِبِ: إذَا كَانَ لَا يَدْرِي أَغَاصِبًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا الْوَاهِبَ اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ دَارًا أَوْ عَبْدًا، فَاسْتَعْمَلَهُمْ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ؟
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الَّذِي بَاعَهَا في السُّوقِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، أَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْغَصْبِ.
قُلْت: فَإِنْ وَهَبَهَا هَذَا الْغَاصِبُ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ، أَوْ عَلِمَ بِهِ فَاغْتَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ، أَوْ أَخَذَ كِرَاءَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ؟
فَقَالَ: الْكِرَاءُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهَا إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلِمَ بِالْغَصْبِ، كَانَتْ الْغَلَّةُ الَّتِي اغْتَلَّ مَرْدُودَةً إلَى الَّذِي اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَاهِبِ لَهُ أَنَّهُ غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ الَّذِي غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَلِيًّا، كَانَ غُرْمُ مَا اغْتَلَّ هَذَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ مَلِيًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مَالٌ، كَانَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْغَلَّةِ.
بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا اغْتَصَبَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا فَوَهَبَهَا لِرَجُلٍ، فَأَكَلَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَأَبْلَاهُ، أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَبَاعَهَا وَأَكَلَ ثَمَنَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ.
فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَاهِبِ مَالٌ أُغْرِمَ وَأَسْلَمَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ هِبَتَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْوَاهِبَ كَانَ غَاصِبًا، وَهَذَا إذَا فَاتَتْ في يَدِ الْمَوْهُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مَالٌ أُغْرِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ نَفْسَهُ، لَوْ اغْتَلَّ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ أَخَذَ كِرَاءَ الدَّارِ، كَانَ لَازِمًا لَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ إلَى مُسْتَحِقِّ الدَّارِ.
فَلَمَّا وَهَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَأَخَذَهَا هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، فَكَأَنَّهُ هُوَ الْغَاصِبُ نَفْسُهُ في غَلَّتِهَا وَكِرَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مَالٌ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ مَاتَ فَتَرَكَهَا مِيرَاثًا، فَاسْتَغَلَّهَا وَلَدُهُ، كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَغَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ؟ فَكَذَلِكَ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، لَا يَكُونُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْوَارِثِ فيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ الْوَاهِبِ مَالٌ.
أَوَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ قَمْحًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ مَاشِيَةً، فَأَكَلَ الْقَمْحَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ فَأَبْلَاهَا وَذَبَحَ الْمَاشِيَةَ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَنْ يَغْرَمَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ لِاشْتِرَائِهِ في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ مِمَّا هَلَكَ في يَدَيْهِ أَوْ دَارًا احْتَرَقَتْ أَوْ انْهَدَمَتْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِثَمَنِهَا وَمُصِيبَتِهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ وَالثِّيَابُ لَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يُبْلِهَا حَتَّى أَتَتْ عَلَيْهَا جَائِحَةٌ مِنْ السَّمَاءِ فَذَهَبَتْ بِهَا، وَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَكَمَا كَانَ مَنْ اشْتَرَى في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ مَاشِيَةً فَأَكَلَهَا أَوْ لَبِسَهَا لَمْ يَضَعْ الشِّرَاءُ عَنْهُ الضَّمَانَ، فَكَذَلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حِينَ وُهِبَ لَهُ مَا لَيْسَ هُوَ لِمَنْ وَهَبَهُ لَهُ، إنَّمَا اغْتَصَبَهُ وَاسْتَغَلَّهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَمَانٌ لِثَمَنٍ أَخْرَجَهُ فيهِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا اسْتَغَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ الْوَاهِبِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ، أَنَّ الْغَلَّةَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، إنْ كَانَ وَهَبَهَا هَذَا الْغَاصِبُ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا نَزَلَ بَلَدًا مَنْ الْبُلْدَانِ، فَادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَاسْتَعَانَهُ رَجُلٌ فَبَنَى لَهُ دَارًا أَوْ بَيْتًا، أَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ فَأَتَى سَيِّدُهُ فَاسْتَحَقَّهُ، أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَةَ عَمَلِ غُلَامِهِ في تِلْكَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ لَهُ بَالٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ، مِثْلُ سَقْيِ الدَّابَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ مَالِهِ الَّذِي وُهِبَ لَهُ، إنْ كَانَ أَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ بَاعَهُ فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَلِفَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَلِمَ لَا يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إذَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ، وَقَدْ جَعَلْتَ أَنْتَ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّكَ قُلْت: الْمَوْهُوبُ لَهُ في الْغَلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ اغْتَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَخَذَ الْغَلَّةَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَجَعَلْتَ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ في الْغَلَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مَالٌ، فَلِمَ لَا يَكُونُ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ مَالٌ في التَّلَفِ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ في الْغَاصِبِ لَوْ تَلِفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَهُ بِمَوْتٍ أَوْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؟ فَلِمَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ مَالٌ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمْ يَتَعَدَّ وَالْغَاصِبُ قَدْ تَعَدَّى حِينَ غَصَبَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ عَلِمَ بِالْغَصْبِ، فَقَبِلَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ، أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْغَاصِبِ أَيْضًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا اشْتَرَيْت مَنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَجَمِيعِ مَا يُكْرَى، وَلَهُ الْغَلَّةُ أَوْ نَخْلٌ فَأَثْمَرَتْ عِنْدِي، فَاسْتَحَقَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنِّي رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ.
قُلْت: وَجَعَلَ مَالِكٌ ثَمَرَ النَّخْلَةِ بِمَنْزِلَةِ غَلَّةِ الدُّورِ وَالْعَبِيدِ، جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِبَةً فَاغْتَلَّهَا هَذَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ، أَتَكُونُ غَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَا تَطِيبُ الْغَلَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ في ذَلِكَ ثَمَنًا.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في الْهِبَةِ السَّاعَةَ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّ إذَا كَانَتْ في يَدَيْ هَذَا بِهِبَةٍ مِنْ الْغَاصِبِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَك، وَيُعْطَى هَذَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قِيمَةَ عَمَلِهِ فيهَا وَعِلَاجِهِ.
قُلْت: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ؟
قَالَ: لِأَنَّ في الْبَيْعِ تَصِيرُ لَهُ الْغَلَّةُ إلَى الضَّمَانِ، وَالْهِبَةُ لَيْسَ فيهَا ضَمَانٌ.
قُلْت: وَمَا مَعْنَى الضَّمَانِ؟
قَالَ: مَعْنَى الضَّمَانِ، أَنَّ الَّذِي اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْ غَاصِبٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ، أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إذَا تَلِفَتْ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، كَانَتْ مُصِيبَتُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَلِفَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى فيهَا، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إنْ تَلِفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ يَدَيْهِ لَمْ يَتْلَفْ لَهُ فيهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى في ذَلِكَ.
وَكَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ بِالضَّمَانِ بِمَا أَدَّى مِنْهَا.
وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا تَطِيبُ لَهُ الْغَلَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ في ذَلِكَ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ مَالٌ.

.الرَّجُلُ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ رَجُلٌ تِلْكَ السِّلْعَةَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بِعْتُ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ، فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ الَّتِي بِعْتُهَا، بِمَ يُرْجَعُ عَلَى صَاحِبِهَا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فيأْخُذُ بِثَمَنِهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فيرُدُّهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهَا.
قَالَ: بِالدَّرَاهِمِ.
قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: فَإِنْ أَخَذَ بِهَا عَرْضًا، مَاذَا عَلَيْهِ إذَا رَدَّهَا لَهُ؟
قَالَ: لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَجْعَلُهُ إذَا أَخَذَ الْعَيْنَ مِنْ الْعَيْنِ الدَّنَانِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّنَانِيرِ، لَا يُشْبِهُ عِنْدَهُ مَا إذَا أَخَذَ مِنْ الْعَيْنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَرْضًا، فَمَسْأَلَتُكَ الَّتِي سَأَلْتُ عَنْهَا مِثْلُهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِاَلَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَ الْعَيْنَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ إنَّمَا بَاعَهُ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ مِنْهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ دَابَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّابَّةُ أَوْ السِّلْعَةُ الَّتِي أَخَذَ في ثَمَنِ الدَّنَانِيرِ مِنْ يَدَيْهِ، رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ هَذِهِ السِّلْعَةَ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، كَانَتْ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ السِّلْعَةُ ثَمَنًا لِلسِّلْعَةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ الذَّهَبَ، ثُمَّ ابْتَاعَ بِهَا مِنْ صَاحِبِهَا سِلْعَةً أُخْرَى فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ مِنْ يَدَيْهِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالذَّهَبِ.

.الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَطِئَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَنَّهَا أُمَّةٌ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَقَدْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ الْمُشْتَرِي، أَيَكُونُ عَلَيْهِ لِلْوَطْءِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَافْتَضَّهَا، أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، أَوْ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَنَّهَا أَمَتُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا.

.اشْتَرَى جَارِيَةَ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَلِدُ مِنْهُ وَلَدًا عِنْدَ السَّيِّدِ، فيقْتُلُهُ رَجُلٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فيسْتَحِقُّ الْأَمَةَ، وَقَدْ قُضِيَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ أَوْ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: أَمَّا الدِّيَةُ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ في دِيَتِهِ: هِيَ لِأَبِيهِ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَيَكُونُ عَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ.
وَأَمَّا في الْعَمْدِ، فَهُوَ حُرٌّ وَفيهِ الْقِصَاصُ، وَلَا يَضَعُ الْقِصَاصَ عَنْ الْقَاتِلِ اسْتِحْقَاقُ هَذِهِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ.
قُلْت: وَكَذَا إنْ جُرِحَ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ إنْ جُرِحَ أَوْ لَمْ يُجْرَحْ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَبَ إذَا اقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِ ابْنِهِ هَذَا، ثُمَّ أَتَى سَيِّدُ الْأَمَةِ، هَلْ يَغْرَمُ لَهُ الْأَبُ شَيْئًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْوَلَدَ إذَا كَانَ قَائِمًا عِنْدَ وَالِدِهِ، أَيَكُونُ لِمُسْتَحِقِّ الْأَمَةِ عَلَى وَالِدِهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: إنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا يُبَاعُ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ الْأَبُ نِصْفَ دِيَةِ وَلَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ أَمَةً؟
قَالَ: يَغْرَمُ وَالِدُهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ أَقْطَعَ الْيَدِ يَوْمَ يُحْكَمُ لَهُ فيهِ، وَيُقَالُ لَهُ: مَا قِيمَتُهُ صَحِيحًا وَقِيمَتُهُ أَقْطَعَ الْيَدِ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهِ؟ فينْظَرُ كَمْ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ قِيمَتِهِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْأَبُ، غَرِمَهَا الْأَبُ.
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا، غَرِمَ الْأَبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ أَقْطَعَ الْيَدِ، وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْأَبِ.
وَإِنْ كَانَ فيمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَبَيْنَ قِيمَتِهِ أَقْطَعَ الْيَدِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَهُ الْأَبُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ، وَهُوَ مِثْلُ الْقَتْلِ إذَا قُتِلَ فَأَخَذَ أَبُوهُ الدِّيَةَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ صَحِيحًا، أَيَكُونُ عَلَى الْوَالِدِ مَنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى وَالِدِهِمْ فيهِمْ إذَا مَاتُوا.
قُلْت: فَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ هَذِهِ الْأَمَةِ وَفي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ سَيِّدِهَا فَطَرَحَتْهُ، فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَقَدْ كَانَ أَخَذَ سَيِّدُهَا الْغُرَّةَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا بَعْدُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنَّ الضَّارِبَ يَغْرَمُ غُرَّةً فَتَكُونُ لِأَبِيهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمْ قِيمَتُهَا يَوْمَ ضُرِبَ بَطْنُهَا، فينْظُرُ إلَى مَا أَخَذَ الْأَبُ، فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَ الْأَبُ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِ قِيمَتِهَا يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهَا، غَرِمَ الْأَبُ عُشْرَ قِيمَتِهَا.
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ قِيمَتِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ إلَّا مَا أَخَذَ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي ذَلِكَ فيهِ، إذَا أَخَذَ دِيَةَ ابْنِهِ مِنْ الْقَاتِلِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَالِكًا، هَلْ كَانَ يُغَرِّمُ سَيِّدَهَا لِهَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّهَا مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فيمَا نَقَصَ الْحَمْلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ.

.في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ فيسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ تَكُونُ عِنْدَهُ الْجَارِيَةُ قَدْ اشْتَرَاهَا فَتَلِدُ مِنْهُ، فيأْتِي رَجُلٌ فيقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ؟
قَالَ: يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا مِنْ وَالِدِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ.
وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ: يَأْخُذُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ في ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأُخِذَتْ، كَانَ ذَلِكَ عَارٌ عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَعَلَى وَلَدِهَا.
وَفي قَوْلِهِ الْآخَرِ: أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَعَهَا قِيمَةَ الْوَلَدِ أَيْضًا، فَهَذَا الضَّرَرُ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ يَرْجِعُ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّذِي غَرِمَ في قَوْلِهِ هَذَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا سَارِقًا، دَلَّسَ لَهُ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَسَرَقَ الْعَبْدُ مَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا سَرَقَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ هَذَا الْمُسْتَحِقُّ الْبَيِّنَةَ، أَنَّ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ الْجَارِيَةُ غَصَبَهَا لَهُ؟
قَالَ: يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ وَلَدَهَا وَيُحَدُّ غَاصِبُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ، ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ فيقَوِّمُ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عَلَى مَا أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ الْجَارِيَةَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ رُجُوعًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لَسَمِعْنَاهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ أَمَتَهُ رَجُلًا غَيْرَهُ مِنْهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَقَدْ وَلَدَتْ مَنْ الزَّوْجِ؟
قَالَ: يَأْخُذُ السَّيِّدُ وَيَأْخُذُ قِيمَةَ الْوَلَدِ مِنْ أَبِي الْوَلَدِ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهَا.
قُلْت: وَلَا يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ مِنْهَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَلِمَ جَعَلْتَهُ يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ غَرَّهُ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ.
وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِقَلِيلٍ وَلَا بِكَثِيرٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَاهَا أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا فيرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْفَضْلِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَجَعَ بِالصَّدَاقِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ، أَيَتْرُكُ لَهُ قَدْرَ مَا اسْتَحَلَّ بِهِ فَرْجَهَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ: يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ لَنَا مَالِكٌ: يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا.
وَأَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّمَا يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بُضْعَهَا، فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ الْبُضْعَ، فيرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ في الْبُضْعِ وَهُوَ الصَّدَاقُ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ الْوَلَدَ، فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِهِمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا فَأَعْتَقْتُهُ، أَوْ أَمَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَاِتَّخَذْتُهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ رِقَابَهُمَا، أَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُفْسَخُ عِتْقُ الْعَبْدِ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِهَذَا الرَّجُلِ، أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمُسْتَحِقِّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا في الْعَبْدِ فيفْسَخُ عِتْقُهُ وَيُرَدُّ رَقِيقًا، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ مَا لَمْ تَحْمِلْ، فَإِذَا حَمَلَتْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ لِي قَبْلَ ذَلِكَ: يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا مِنْ الْأَبِ قِيمَتَهُمْ يَوْمَ يُحْكَمُ فيهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ.

.(اشْتَرَى جَارِيَة فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ):

اشْتَرَى جَارِيَة فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَالسَّيِّدُ عَدِيمٌ وَالْوَالِدُ قَائِمٌ مُوسِرٌ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ السَّيِّدِ، فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَالسَّيِّدُ الْمُشْتَرِي عَدِيمٌ؟
قَالَ: يَأْخُذُ جَارِيَتَهُ وَتَكُونُ قِيمَةُ وَلَدِهَا دَيْنًا عَلَى الْأَبِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَأَدَّى قِيمَةَ الِابْنِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنِ بِقِيمَتِهِ الَّتِي أَدَّى عَنْهُ في قَوْلِ مَالِكٍ يُتْبِعُهُ بِهَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، أَتُؤْخَذُ قِيمَةُ الِابْنِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَمْ مِنْ مَالِ الِابْنِ؟
قَالَ: بَلْ مِنْ مَالِ الْأَبِ.
قُلْت: فيرْجِعُ بِهَا الْأَبُ في مَالِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مُوسِرًا أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا وَالْوَلَدُ مُوسِرًا، أَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنْ مَالِ الِابْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَكُونُ عَلَى الِابْنِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْأَبِ في الْيُسْرِ وَالْعَدَمِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَفيرْجِعُ بِهِ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَفَتُؤْخَذُ قِيمَةُ الْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا وَالْوَلَدُ مُوسِرًا؟
قَالَ: لَا تُؤْخَذُ قِيمَةُ الْأُمِّ مِنْ الْوَلَدِ عَلَى حَالِ ابْنِ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً مَسْرُوقَةً أَوْ آبِقَةً فَتَلِدُ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْتِي سَيِّدُ الْجَارِيَةِ فيقْبِضُهَا وَيُرِيدُ أَخْذَ وَلَدِهَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَرَاهَا لِسَيِّدِهَا الَّذِي أَبِقَتْ مِنْهُ أَوْ سُرِقَتْ، وَنَرَى وَلَدَهَا لِأَبِيهِمْ الَّذِي ابْتَاعَ أُمَّهُمْ بِقِيمَةِ عَدْلٍ، يُؤَدِّي قِيمَتَهُمْ إلَى سَيِّدِ الْجَارِيَةِ سَحْنُونٌ.
عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَرَوْنَ إلَّا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَدْرَكَ وَلِيدَتَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مَسْرُوقَةٌ، يَأْخُذُ وَلِيدَتَهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِمْ بِالْقِيمَةِ يُؤَدِّي الثَّمَنَ إلَى سَيِّدِ الْوَلِيدَةِ، وَلَا نَرَى عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَخَذَ السَّارِقُ كَانَ أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ وَالْغَرَامَةِ، وَالنَّاسُ لَا يَرَوْنَ في الْحَيَوَانِ مِنْ الْمَاشِيَةِ إذَا أُخِذَتْ في الصَّحْرَاءِ قَطْعًا، وَلَا في الرَّقِيقِ قَطْعًا.

.الرَّجُلُ يَبْنِي دَارِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فيسْتَحِقُّهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى دَارِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فيسْتَحِقُّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ الْمَسْجِدَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَعْتِقُ عَبْدًا لَهُ فيأْتِي رَجُلٌ فيسْتَحِقُّ الْعَبْدَ: إنَّ الْعِتْقَ يُرَدُّ، وَإِنَّهُ يَرْجِعُ رَقِيقًا، فَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ، لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ مِثْلُ الْعِتْقِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ.

.(اشْتَرَى سِلَعًا كَثِيرَةً وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا):

اشْتَرَى سِلَعًا كَثِيرَةً أَوْ صَالِح عَلَى سِلَعٍ كَثِيرَةٍ وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلَعًا كَثِيرَةً، أَوْ صَالَحْتُهُ مِنْ دَعْوَى ادَّعَيْتهَا عَلَى سِلَعٍ كَثِيرَةٍ، فَقَبَضْتُ السِّلَعَ أَوْ لَمْ أَقْبِضْهَا حَتَّى اسْتَحَقَّ رَجُلٌ بَعْضَهَا؟
قَالَ: يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ وَجْهَ ذَلِكَ الْبَيْعِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا يَفي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعُيُوبِ جَمِيعًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ الْعُيُوبَ وَالِاسْتِحْقَاقَ وُجِدَتْ في عُيُونِ ذَلِكَ، فَرَضِيَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ أَنْ يُسَلِّمَا مَا لَيْسَ فيهِ عُيُوبٌ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَكَانَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ وَجَبَ رَدُّهَا كُلَّهَا، فَكَأَنَّهُ بَاعَهُمْ بِثَمَنٍ لَا يَدْرِي مَا يَبْلُغُ أَثْمَانُهُمْ مِنْ الْجُمْلَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ عُرُوضًا كَثِيرَةً، صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ ذَلِكَ الشَّيْءِ - قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضْتُهُ - فَأَرَدْتُ أَنْ أَرُدَّ مَا بَقِيَ، أَيَجُوزُ لِي ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ الشَّيْءُ التَّافِهُ الْيَسِيرُ، أَخَذَ مَا يَفي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ، مِنْهُ جُلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا يَأْخُذَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْتُ سِلَعًا كَثِيرَةً، صَفْقَةً وَاحِدَةً، مَتَى يَقَعُ لِكُلِّ سِلْعَةٍ مِنْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ، أَحِينَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ أَمْ حِينَ يُقْبَضُ؟
قَالَ: حِينَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ، وَقَعَ لِكُلِّ سِلْعَةٍ مِنْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.